هل إخوة يوسف عليه السلام أنبياء؟ أم ليسوا بأنبياء؟ أدلة القائلين بنبوتهم
أدلة القائلين بأن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء
أقوال المفسرين والعلماء وحججهم في ذلك
الحمد لله رب الأرباب، وصلى الله وسلم على محمد الذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وأنزل عليه أحسن القصص وخص بخير كتاب.
وبعد..
لقد اختلف أهل العلم قديماً وحديثاً في نبوة إخوة يوسف عليه السلام، بسبب ما صدر منهم نحو أخيهم وأبيهم، وما اقترفته أيديهم، وذهبوا في ذلك مذاهب هي:
1. أن إخوة يوسف عليه السلام أنبياء.
2. أن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء.
3. أن إخوة يوسف عليه السلام نبئوا بعد ما صدر منهم نحو يوسف عليه السلام.
4. ومن أهل العلم من توقف في ذلك.
أدلة القائلين بنبوتهم
استدل القائلون بنبوتهم بظاهر آيتي البقرة والنساء، وهما قوله تعالى في البقرة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وبما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"، وقوله تعالى في النساء[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً"، حيث فسروا الأسباط في الآيتين بأنهم هم أولاد يعقوب عليه السلام من صلبه.
قال القرطبي: (والأسبـاط ولد يعقوب عليه السـلام، وهم اثنا عشـر ولداً، ولكل ولد منهم أمة من الناس).[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أدلة القائلين بأن إخوة يوسف عليه السلام ليسوا بأنبياء
استدل القائلون بعدم نبوتهم بالآتي:
1. أن المراد بالأسباط ليس أبناء يعقوب عليه السلام من صلبه، وإنما شعوب وقبائل بني إسرائيل.
2. وبما صدر منهم نحو يوسف عليه السلام من فعال تنافي عصمة الأنبياء.
أقوال المفسرين والعلماء وحججهم في ذلك
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: (قد قدمنا أن يعقوب كان له من البنين اثنا عشر ولداً ذكراً، وسميناهم، وإليهم تنسب أسباط بني إسرائيل كلهم، وكان أشرفهم وأجلهم وأعظمهم يوسف عليه السلام، وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه لم يكن فيهم نبي غيره، وباقي إخوته لم يوح إليهم، وظاهر ما ذكرنا من فعالهم ومقالهم في هذه القصة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] يدل على هذا القول، ومن استدل على نبوتهم بقوله: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط"، وزعم أن هؤلاء الأسباط، فليس استدلاله بقوي، لأن المراد بالأسباط شعوب بني إسرائيل، وما كان يوجد فيهم من الأنبياء الذين ينزل عليهم الوحي من السماء.
ومما يؤيد أن يوسف عليه السلام هو المختص من بين إخوته بالرسالة والنبوة أنه نص على واحد من إخوته سواه، فدل على ما ذكرناه، ويستأنس لهذا – يعني بقوله صلى الله عليه وسلم: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم").
وقال القرطبي معلقاً على صنيع إخوة يوسف عليه السلام: (وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولاً ولا آخراً، لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم، بل كانوا مسلمين فارتكبوا معصية ثم تابوا، وقيل كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زلة نبي، فكانت هذه زلة منهم، وهذا يرده أن الأنبياء معصومون من الكبائر على ما قدمنا، وقيل: ما كانوا في ذلك الوقت أنبياء، ثم نبأهم الله، وهذا أشبه، والله أعلم).[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير سورة يوسف[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]: (واعلم أنه لم يقم دليل على نبوة إخوة يوسف، وظاهر هذا السياق[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] على خلاف ذلك، ومن الناس من يزعم أنه أوحي إليهم بعد ذلك، وفي هذا نظر، ويحتاج مدعي ذلك إلى دليل، ولم يذكروا سوى قوله تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط"، وهذا فيه احتمال، لأن بطون بني إسرائيل يقال لهم الأسباط، كما يقال للعرب قبائل، وللعجم شعوب، يذكر تعالى أنه أوحى إلى الأنبياء من بني إسرائيل، فذكرهم إجمالاً لأنهم كثيرون، ولكن كل سبط من نسل رجل من إخوة يوسف، ولم يقم دليل على أعيان هؤلاء أنهم أوحي إليهم، والله أعلم).
وقال ابن عطية المفسر رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك" الآية: (تقتضي هذه الآية أن يعقوب عليه السلام كان يحس من بنيه حسد يوسف وبغضته، فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم، خوفاً أن يشعل بذلك غل صدروهم، فيعملوا الحيلة في هلاكه، ومن هنا ومن فعلهم بيوسف – الذي يأتي ذكره – يظهر أنهم لم يكونوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيوي، وعن عقوق الأنبياء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتوافر على قتله).[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وقال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله وقد سئل عن إخوة يوسف هل كانوا أنبياء؟: (الذي يدل عليه القرآن واللغة والاعتبار أن إخوة يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل ولا عن أصحابه خبر بأن الله تعالى نبأهم، وإنما احتج من قال أنهم نبئوا بقوله في آيتي البقرة والنساء "والأسباط"، وفسر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب، والصواب أنه ليس المراد بهم أولاده لصلبه بل ذُرِّيَّتُه، كما يقال فيهم أيضاً "بنو إسرائيل"، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.
قال أبو سعيد الضرير: أصل السِّبْط، شجرة ملتفة كثيرة الأغصان.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
فسموا الأسباط لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة كذلك الأسباط كانوا من يعقوب، ومثل السِّبط الحافد، وكان الحسن والحسين سبطي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر، وقال تعالى: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. وقطعناهم اثني عشر أسباطاً أمماً"[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، فهذا صريح في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كل سبط أمة، لا أنهم بنوه الاثنا عشر، بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطاً، فالحال أن السبط هم الجماعة من الناس.