[size=29]
تتعاقب الأجيال تلو الأجيال ، وكل
جيل ينمو في أطوار تتباين مع من قبله ، فتشكل تلك المراحل جيلاً ينفرد
بمزايا لم يتميز بها غيره ، كما ينشأ فيه أحداث تفتنه ، وقلاقل تضعفه ،
ومن ثم يورث ذلك من بعده ، ففي كل جيل نرى أن خط الفتن يسير ، وتزداد
الفتن ؛ مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( فإنه من يعش منكم
فسيرى أختلافاً كثيراً )) وكل فتنة عند ظهورها تبدأ كبيرة ، يتعاظمها
أهلها حتى يأتي ما بعدها من فتن أعظم منها فترققها ، وعلى هذا تسير الأمم
بالعد التنازلي من ناحية القوة العقدية ، والأخلاق والسلوك من بعد سلف
الأمة ، إلى نهاية شرار من تقوم عليهم الساعة .
وحينما أود الكتابة عن الفتن فأنا أحكم على ورقي بالنفاد ، وعلى قلمي
بالسهاد ؛ فالفتن عمت ، وطمت ، ومن أسباب قوة شوكتها في الأمة ؛ مسايرتها
لها ؛ بحجة مسايرة الواقع ، ومواكبة العصر ، وهذا بحد ذاته فتنة عظيمة ،
انقسمت فيها الأمة إلى معرض عن المحدثات ، حذر من المستجدات ، وقسم مقبل
على الصادرات ، منفتح لكل رائج ، والأصل في مسايرة الناس في ضلالهم هو
الهوى المتغلب على النفوس ، بحيث يطمس البصيرة ، حتى ترى المتبع لهواه
يضحي بروحه في سبيل هواه ، وباطله .
والفتنة بمسايرة الواقع ، وما اعتاده الناس كثيرة في زماننا اليوم لا يسلم
منها إلا من رحم الله – عز وجل – وجاهد نفسه مجاهدة كبيرة ؛ لأن ضغط
الفساد ، ومكر المفسدين ، وترويض الناس عليه ردحاً من الزمان جعله متمكن
من القلوب ، وشربته النفوس حتى ألفته وأحبته . ومن أعظم ما حصل من هذه
الفتن في العصر الحاضر : مسايرة النساء في لباسهن للفاسقات والكافرات ،
وتقليدهن لعادات الغرب الكافر ، فيه وفي الأزياء ، وصرعات الموضات ،
وأدوات التجميل ؛ حتى أصبحت هذه الفتن مألوفة لم ينج منها إلا أقل القليل
ممن رحم الله – عز وجل – من النساء الصالحات المتربيات في منابت صالحة
تجعل رضى الله – عز وجل – فوق رضى المخلوق ، أما أكثر الناس فقد سقط في
هذه الفتنة ؛ فانهزمت المرأة أمام ضغط الواقع الشديد ، وتلا ذلك انهزام
وليها أمام رغبة موليته ، حتى صرنا نرى أكثر نساء المسلمين على هيئة في
اللباس والموضات ينكرها الشرع ، والعقل ، وتنكرها المروءة والغيرة ، وكأن
الأمر تحول – والعياذ بالله تعالى – إلى شبه عبودية لبيوت الأزياء ، يصعب
الانفكاك عنها .
وعن هذه العادات ، والتهالك عليها ، وسقوط كثير من الناس فيها ، يقول صاحب
الظلال – رحمه الله تعالى – (( هذه العادات والتقاليد التي تكلف الناس
العنت الشديد في حياتهم ، ثم لا يجدون لأنفسهم منها مفراً . هذه الأزياء
والمراسم التي تفرض نفسها على الناس فرضاً ، وتكلفهم أحياناً ما لايطقون
من النفقة ، وتأكل حياتهم واهتماماتهم ، ثم تفسد أخلاقهم وحياتهم ، ومع
ذلك لا يملكون إلا الخضوع لها : أزياء الصباح ، وأزياء بعد الظهر ، وأزياء
المساء ، الأزياء القصيرة ، والأزياء الضيقة ، والأزياء المضحكة ! وأنواع
الزينة ، والتجميل ، والتصفيف إلى آخر هذا الاسترقاق المذل : من الذي
يصنعه ؟ ومن الذي يقف وراءه ؟ تقف وراءه بيوت الأزياء ، وتقف وراءه شركات
الإنتاج ! ويقف وراءه المرابون في بيوت المال والبنوك من الذين يعطون
أموالهم للصناعات ليأخذوا هم حصيلة كدها ! ويقف وراءه اليهود الذين يعملون
لتدمير البشرية كلها ليحكموها !)) [في ظلال القرآن 2/219] .بداية فتنة الأزياء :
ارتبط تاريخ البدء
بارتداء المسلمين للأزياء الغربية بانتهاء الدولة العثمانية ؛ حيث لم يشهد
التاريخ الإسلامي قبل هذه الفترة أي نوع من أنواع الاختلافات في الرأي بين
المسلمين على الزي الإسلامي في قواعده العامة ، المستمدة من القرآن الكريم
والسنة النبوية الشريفة ؛ والتي يختلف تطبيقها من بلد إلى آخر تبعاً
للبيئة والمناخ وما شابهه من الأمور .
وقد كان من آثار شدة تعلق المسلمين بزيهم ، أن كان لهذا الزي دور فعال في
اندلاع الفتنة التي أدت إلى نهاية العهد العثماني ، إذ قام أحد الأشخاص ،
بعد أن زور ختم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله ، بالادعاء أنه يحمل
مرسوماً من السلطان ، ذيله بفتوى مزورة لشيخ الإسلام ، يفرض فيه نزع
القلنسوة الإسلامية وتبديلها بالقبعة الغربية ؛ مما أثار حفيظة المسلمين
آنذاك ، ورفضوا التخلي عن زيهم الإسلامي . [مصطفى طوزان ، أسرار الانقلاب العثماني ، ص:77]
إلا إن هذا الأمر ما لبث أن تبدل بعد أن فرض " أتاتورك "
زي وقبعة الغربيين فرضاً بالقوة ، الأمر الذي كان أحد نتائجه زحف الأزياء
الغربية وما يعرف " بالموضة" إلى عقول وقلوب النساء والرجال على حد سواء .
من وراء الفتنة :
لقد وضع الإسلام
للمرأة سياجاً قوياً مانعاً من الضياع ؛ ذلك هو سياج الحشمة والعفاف ،
ولكن اليهود لم يعجبهم ذلك منذ قديم الزمان ؛ حيث تآمروا على نزع حجاب
المرأة المسلمة ، وكشف سوءتها في سوق بني قينقاع ، أيام رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة ، لا يزيدها الزمن إلا
اشتعالاً واضطراماً ؛ لأنهم يدركون جيداً أن إفسادها إفساد للمجتمع برمته
.
فمعظم الذين يتحكمون اليوم في بيوت الأزياء ، ويشعلون أجيج هذه الفتنة هم
اليهود ، وأهدافهم ليست تجارية بحتة ؛ ولكن تمتد إلى ما هو أسوأ من ذلك ،
وهو هدم البنية التحتية للأسرة ، عن طريق إفساد المرأة ، لكونها القاعدة
التي يرتكز عليها بنيان الأسرة ، بل المجتمع بأسره .
فمن المعلوم أن أكبر مستهلك على وجه الأرض ، وفي كل بلد هي المرأة خاصة
فيما يتعلق بأزيائها ، وجمالها ، وشكلها ، ومواكبتها للعصر ، وحداثتها في
كل شيء .
والذين يسيطرون على بيوت الأزياء ، هم أنفسهم الذين يجلسون على عرش
الإعلام ، ومن خلاله ينفذون إلى بيوت المسلمين بلا استئذان ، ويعرضون
أفكارهم المسمومة عن طريق قنواته ، المرئية ، والمسموعة ، والمقروءة ،
بغيتهم من ذلك تلويث الدماغ ، وتأسيس قواعد ثابتة ليس فقط في أراضيهم بل
حتى في قلوبهم – إلا من رحم ربي -.
من خلال هذه الوسائل الهائلة التي يمتلكها اليهود ، والتي تشبه البحار
العاتية ، العالية الأمواج ، يلعبون بمعظم النساء كما يشاؤون ، يرفعونهن
مع الموج ، ويخفضونهن ، ويتحكمون في رغباتهن؛ لأنهم هم الذين يصنعون تلك
الرغبات ، ويصنعون عندهن إحساساً بأنهن ناقصات ، متخلفات ، وقبيحات ، إذا
لم يسايرن آخر الصيحات .
ومما يندى له الجبين ، أن نرى انصياع الدول العربية ، والإسلامية لهذا
الزحف الانفتاحي الموغل ، فتقلدها فيه تقليد الأعمى ، تقليداً من لا عقيدة
له ، ولا هدف سامٍ يرجوه ، بل على العكس تجد التبعية الحرفية ، والتقليد
المتقن ، مدعاة للفخر لديهم ، حتى إننا لنجد معظم مجلات المرأة العربية
تتبارى في تقديم آخر صيحات الموضة ، على أجمل الورق وأفخره ، وبأبهى
الألوان ، وتقدم عارضات الأزياء على أنهن المثال الأرقى في الأناقة ،
والرشاقة ، والقدوة المثلى في طريقة المشي بما فيها من تخلع ، وميوعة ،
وهز لمواضع الأنوثة في المكان العام ، وإبراز لمواطن الفتنة بين الرجال .
وللأسف أن انقادت الكثيرات من النساء وانصعن لهؤلاء ؛ فأصبح أكبر هم
المرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين لباساً عارياً تلبسه ، وتنزل إلى
الميدان بأقذر أسلحتها ، أسلحة الإغراء ، وتعلمت المرأة المسلمة تلك
الفنون عبر الأفلام العارية ، والقصة الماجنة ، والصور الفاتنة . ووجدت
المرأة المسلمة محررين ومحررات ممن يتكلم بلسانها ومن بني جلدتها يشرحون
لها كيف تكون جذابة (( مغرية )) إغراء في البيت ، وفي الشارع ، إغراء في
اللفظ والحركة ، إغراء في الملبس والزينة ، إغراء في المشية ، والجلسة ،
والنظرة .
خطط العدو وأهدافهم :
دخلت " الموضة " إلى
البلاد الإسلامية بدخول الاستعمار الغربي إليها ، حيث كانت من بين
المفسدات التي اخترعها الغرب ، من ضمن خطة موجهة لتدمير الشعوب بشكل عام ،
والشعوب الإسلامية بشكل خاص ، وقد كان من أبرز بنود هذه الخطة :
1- إبعاد
المسلمين عن الهدف الأساسي لوجودهم ، والذي أوضحه الله سبحانه وتعالى
بقوله :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
فاخترعوا من أجل ذلك الوسائل المتعددة التي تضمن لهم هذا الإبعاد ، وكانت
الموضة إحدى الوسائل التي شغلت الناس عن التفكير في القضايا المصيرية
الكبرى ، وحولتهم من عبودية الله تعالى إلى عبودية المادة ، وقد حذر رسول
الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر حين قال : (( تعس عبد الدينار وعبد
الدرهم والقطيفة ، والخميصة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض )) [رواه البخاري في الجهاد 6/60]. القطيفة : الثوب الذي له خمل .
2- إحكام
السيطرة على الشعوب بشكل عام ، وعلى الشعوب الإسلامية بشكل خاص ، إذ إن في
إتباع المسلمين لأزياء غيرهم دليل تخل وانهزام . فالأمة إذا تخلت عن
طابعها الخاص طبعت بطابع الأمة التي قلدتها وأخذت بزيها ، وهذا الأمر أكد
عليه ابن خلدون بقوله : (( إن المغلوب يتشبه بالغالب في ملبسه ، ومركبه ،
وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله )) [ابن خلدون المقدمة ، ص:147]
3-
استنزاف أموال الناس . فالثوب يتبعه الحذاء ، وتتبعه المجوهرات ، كما
تتبعه زينة الشعر ، والعطور ، والروائح ، وليت الأمر يقتصر على هذا ، بل
إن هناك مؤسسات كبيرة تعتمد على الموضة في عملها ، كالمؤسسات الإعلامية
التي تغطي الحدث ، وتنقل للعالم أحدث أنباء الموضة ، كما تتلقى الأموال
الهائلة نتيجة الإعلانات والدعايات .
4- فرض
السيادة بالتبعية المحضة من الشعوب – وإن لم تكن سيادة عسكرية – فإذا كان
لباسك يختاره غيرك بل يفرضه عليك فليس لهذه الصورة معنى إلا أنك عبده وهو
سيدك .
صور الأزياء ومفاسد ناشرها وفاعلها :
لا نقول : إنهن
لكاسيات عاريات ؛ ولكنهن عاريات عاريات ، وقل أن نجد الآن دوراً أو مجلات
تعرضهن بزي محتشم ، فموضة اللباس في هذا الجيل : العري والتفسخ ، فلم يعد
عرضاً للباس ولكنه عرض للأجساد ، واللحوم الرخيصة . لم يقتصر الأمر على
ذلك بل تفاقم حتى إن أجسادهن تُعرض بطرق دنيئة ، وحركات مهيجة ، وأشكال
ممقوتة ، تأباها الفطرة السليمة،ويرفضها العقل المتزن ، وينفر منها الضمير
اليقظ.
تتعاقب الأجيال تلو الأجيال ، وكل
جيل ينمو في أطوار تتباين مع من قبله ، فتشكل تلك المراحل جيلاً ينفرد
بمزايا لم يتميز بها غيره ، كما ينشأ فيه أحداث تفتنه ، وقلاقل تضعفه ،
ومن ثم يورث ذلك من بعده ، ففي كل جيل نرى أن خط الفتن يسير ، وتزداد
الفتن ؛ مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( فإنه من يعش منكم
فسيرى أختلافاً كثيراً )) وكل فتنة عند ظهورها تبدأ كبيرة ، يتعاظمها
أهلها حتى يأتي ما بعدها من فتن أعظم منها فترققها ، وعلى هذا تسير الأمم
بالعد التنازلي من ناحية القوة العقدية ، والأخلاق والسلوك من بعد سلف
الأمة ، إلى نهاية شرار من تقوم عليهم الساعة .
وحينما أود الكتابة عن الفتن فأنا أحكم على ورقي بالنفاد ، وعلى قلمي
بالسهاد ؛ فالفتن عمت ، وطمت ، ومن أسباب قوة شوكتها في الأمة ؛ مسايرتها
لها ؛ بحجة مسايرة الواقع ، ومواكبة العصر ، وهذا بحد ذاته فتنة عظيمة ،
انقسمت فيها الأمة إلى معرض عن المحدثات ، حذر من المستجدات ، وقسم مقبل
على الصادرات ، منفتح لكل رائج ، والأصل في مسايرة الناس في ضلالهم هو
الهوى المتغلب على النفوس ، بحيث يطمس البصيرة ، حتى ترى المتبع لهواه
يضحي بروحه في سبيل هواه ، وباطله .
والفتنة بمسايرة الواقع ، وما اعتاده الناس كثيرة في زماننا اليوم لا يسلم
منها إلا من رحم الله – عز وجل – وجاهد نفسه مجاهدة كبيرة ؛ لأن ضغط
الفساد ، ومكر المفسدين ، وترويض الناس عليه ردحاً من الزمان جعله متمكن
من القلوب ، وشربته النفوس حتى ألفته وأحبته . ومن أعظم ما حصل من هذه
الفتن في العصر الحاضر : مسايرة النساء في لباسهن للفاسقات والكافرات ،
وتقليدهن لعادات الغرب الكافر ، فيه وفي الأزياء ، وصرعات الموضات ،
وأدوات التجميل ؛ حتى أصبحت هذه الفتن مألوفة لم ينج منها إلا أقل القليل
ممن رحم الله – عز وجل – من النساء الصالحات المتربيات في منابت صالحة
تجعل رضى الله – عز وجل – فوق رضى المخلوق ، أما أكثر الناس فقد سقط في
هذه الفتنة ؛ فانهزمت المرأة أمام ضغط الواقع الشديد ، وتلا ذلك انهزام
وليها أمام رغبة موليته ، حتى صرنا نرى أكثر نساء المسلمين على هيئة في
اللباس والموضات ينكرها الشرع ، والعقل ، وتنكرها المروءة والغيرة ، وكأن
الأمر تحول – والعياذ بالله تعالى – إلى شبه عبودية لبيوت الأزياء ، يصعب
الانفكاك عنها .
وعن هذه العادات ، والتهالك عليها ، وسقوط كثير من الناس فيها ، يقول صاحب
الظلال – رحمه الله تعالى – (( هذه العادات والتقاليد التي تكلف الناس
العنت الشديد في حياتهم ، ثم لا يجدون لأنفسهم منها مفراً . هذه الأزياء
والمراسم التي تفرض نفسها على الناس فرضاً ، وتكلفهم أحياناً ما لايطقون
من النفقة ، وتأكل حياتهم واهتماماتهم ، ثم تفسد أخلاقهم وحياتهم ، ومع
ذلك لا يملكون إلا الخضوع لها : أزياء الصباح ، وأزياء بعد الظهر ، وأزياء
المساء ، الأزياء القصيرة ، والأزياء الضيقة ، والأزياء المضحكة ! وأنواع
الزينة ، والتجميل ، والتصفيف إلى آخر هذا الاسترقاق المذل : من الذي
يصنعه ؟ ومن الذي يقف وراءه ؟ تقف وراءه بيوت الأزياء ، وتقف وراءه شركات
الإنتاج ! ويقف وراءه المرابون في بيوت المال والبنوك من الذين يعطون
أموالهم للصناعات ليأخذوا هم حصيلة كدها ! ويقف وراءه اليهود الذين يعملون
لتدمير البشرية كلها ليحكموها !)) [في ظلال القرآن 2/219] .بداية فتنة الأزياء :
ارتبط تاريخ البدء
بارتداء المسلمين للأزياء الغربية بانتهاء الدولة العثمانية ؛ حيث لم يشهد
التاريخ الإسلامي قبل هذه الفترة أي نوع من أنواع الاختلافات في الرأي بين
المسلمين على الزي الإسلامي في قواعده العامة ، المستمدة من القرآن الكريم
والسنة النبوية الشريفة ؛ والتي يختلف تطبيقها من بلد إلى آخر تبعاً
للبيئة والمناخ وما شابهه من الأمور .
وقد كان من آثار شدة تعلق المسلمين بزيهم ، أن كان لهذا الزي دور فعال في
اندلاع الفتنة التي أدت إلى نهاية العهد العثماني ، إذ قام أحد الأشخاص ،
بعد أن زور ختم السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله ، بالادعاء أنه يحمل
مرسوماً من السلطان ، ذيله بفتوى مزورة لشيخ الإسلام ، يفرض فيه نزع
القلنسوة الإسلامية وتبديلها بالقبعة الغربية ؛ مما أثار حفيظة المسلمين
آنذاك ، ورفضوا التخلي عن زيهم الإسلامي . [مصطفى طوزان ، أسرار الانقلاب العثماني ، ص:77]
إلا إن هذا الأمر ما لبث أن تبدل بعد أن فرض " أتاتورك "
زي وقبعة الغربيين فرضاً بالقوة ، الأمر الذي كان أحد نتائجه زحف الأزياء
الغربية وما يعرف " بالموضة" إلى عقول وقلوب النساء والرجال على حد سواء .
من وراء الفتنة :
لقد وضع الإسلام
للمرأة سياجاً قوياً مانعاً من الضياع ؛ ذلك هو سياج الحشمة والعفاف ،
ولكن اليهود لم يعجبهم ذلك منذ قديم الزمان ؛ حيث تآمروا على نزع حجاب
المرأة المسلمة ، وكشف سوءتها في سوق بني قينقاع ، أيام رسول الله صلى
الله عليه وسلم ،ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة ، لا يزيدها الزمن إلا
اشتعالاً واضطراماً ؛ لأنهم يدركون جيداً أن إفسادها إفساد للمجتمع برمته
.
فمعظم الذين يتحكمون اليوم في بيوت الأزياء ، ويشعلون أجيج هذه الفتنة هم
اليهود ، وأهدافهم ليست تجارية بحتة ؛ ولكن تمتد إلى ما هو أسوأ من ذلك ،
وهو هدم البنية التحتية للأسرة ، عن طريق إفساد المرأة ، لكونها القاعدة
التي يرتكز عليها بنيان الأسرة ، بل المجتمع بأسره .
فمن المعلوم أن أكبر مستهلك على وجه الأرض ، وفي كل بلد هي المرأة خاصة
فيما يتعلق بأزيائها ، وجمالها ، وشكلها ، ومواكبتها للعصر ، وحداثتها في
كل شيء .
والذين يسيطرون على بيوت الأزياء ، هم أنفسهم الذين يجلسون على عرش
الإعلام ، ومن خلاله ينفذون إلى بيوت المسلمين بلا استئذان ، ويعرضون
أفكارهم المسمومة عن طريق قنواته ، المرئية ، والمسموعة ، والمقروءة ،
بغيتهم من ذلك تلويث الدماغ ، وتأسيس قواعد ثابتة ليس فقط في أراضيهم بل
حتى في قلوبهم – إلا من رحم ربي -.
من خلال هذه الوسائل الهائلة التي يمتلكها اليهود ، والتي تشبه البحار
العاتية ، العالية الأمواج ، يلعبون بمعظم النساء كما يشاؤون ، يرفعونهن
مع الموج ، ويخفضونهن ، ويتحكمون في رغباتهن؛ لأنهم هم الذين يصنعون تلك
الرغبات ، ويصنعون عندهن إحساساً بأنهن ناقصات ، متخلفات ، وقبيحات ، إذا
لم يسايرن آخر الصيحات .
ومما يندى له الجبين ، أن نرى انصياع الدول العربية ، والإسلامية لهذا
الزحف الانفتاحي الموغل ، فتقلدها فيه تقليد الأعمى ، تقليداً من لا عقيدة
له ، ولا هدف سامٍ يرجوه ، بل على العكس تجد التبعية الحرفية ، والتقليد
المتقن ، مدعاة للفخر لديهم ، حتى إننا لنجد معظم مجلات المرأة العربية
تتبارى في تقديم آخر صيحات الموضة ، على أجمل الورق وأفخره ، وبأبهى
الألوان ، وتقدم عارضات الأزياء على أنهن المثال الأرقى في الأناقة ،
والرشاقة ، والقدوة المثلى في طريقة المشي بما فيها من تخلع ، وميوعة ،
وهز لمواضع الأنوثة في المكان العام ، وإبراز لمواطن الفتنة بين الرجال .
وللأسف أن انقادت الكثيرات من النساء وانصعن لهؤلاء ؛ فأصبح أكبر هم
المرأة المسلمة في كثير من بلاد المسلمين لباساً عارياً تلبسه ، وتنزل إلى
الميدان بأقذر أسلحتها ، أسلحة الإغراء ، وتعلمت المرأة المسلمة تلك
الفنون عبر الأفلام العارية ، والقصة الماجنة ، والصور الفاتنة . ووجدت
المرأة المسلمة محررين ومحررات ممن يتكلم بلسانها ومن بني جلدتها يشرحون
لها كيف تكون جذابة (( مغرية )) إغراء في البيت ، وفي الشارع ، إغراء في
اللفظ والحركة ، إغراء في الملبس والزينة ، إغراء في المشية ، والجلسة ،
والنظرة .
خطط العدو وأهدافهم :
دخلت " الموضة " إلى
البلاد الإسلامية بدخول الاستعمار الغربي إليها ، حيث كانت من بين
المفسدات التي اخترعها الغرب ، من ضمن خطة موجهة لتدمير الشعوب بشكل عام ،
والشعوب الإسلامية بشكل خاص ، وقد كان من أبرز بنود هذه الخطة :
1- إبعاد
المسلمين عن الهدف الأساسي لوجودهم ، والذي أوضحه الله سبحانه وتعالى
بقوله :{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }
فاخترعوا من أجل ذلك الوسائل المتعددة التي تضمن لهم هذا الإبعاد ، وكانت
الموضة إحدى الوسائل التي شغلت الناس عن التفكير في القضايا المصيرية
الكبرى ، وحولتهم من عبودية الله تعالى إلى عبودية المادة ، وقد حذر رسول
الله صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر حين قال : (( تعس عبد الدينار وعبد
الدرهم والقطيفة ، والخميصة ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض )) [رواه البخاري في الجهاد 6/60]. القطيفة : الثوب الذي له خمل .
2- إحكام
السيطرة على الشعوب بشكل عام ، وعلى الشعوب الإسلامية بشكل خاص ، إذ إن في
إتباع المسلمين لأزياء غيرهم دليل تخل وانهزام . فالأمة إذا تخلت عن
طابعها الخاص طبعت بطابع الأمة التي قلدتها وأخذت بزيها ، وهذا الأمر أكد
عليه ابن خلدون بقوله : (( إن المغلوب يتشبه بالغالب في ملبسه ، ومركبه ،
وسلاحه في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله )) [ابن خلدون المقدمة ، ص:147]
3-
استنزاف أموال الناس . فالثوب يتبعه الحذاء ، وتتبعه المجوهرات ، كما
تتبعه زينة الشعر ، والعطور ، والروائح ، وليت الأمر يقتصر على هذا ، بل
إن هناك مؤسسات كبيرة تعتمد على الموضة في عملها ، كالمؤسسات الإعلامية
التي تغطي الحدث ، وتنقل للعالم أحدث أنباء الموضة ، كما تتلقى الأموال
الهائلة نتيجة الإعلانات والدعايات .
4- فرض
السيادة بالتبعية المحضة من الشعوب – وإن لم تكن سيادة عسكرية – فإذا كان
لباسك يختاره غيرك بل يفرضه عليك فليس لهذه الصورة معنى إلا أنك عبده وهو
سيدك .
صور الأزياء ومفاسد ناشرها وفاعلها :
لا نقول : إنهن
لكاسيات عاريات ؛ ولكنهن عاريات عاريات ، وقل أن نجد الآن دوراً أو مجلات
تعرضهن بزي محتشم ، فموضة اللباس في هذا الجيل : العري والتفسخ ، فلم يعد
عرضاً للباس ولكنه عرض للأجساد ، واللحوم الرخيصة . لم يقتصر الأمر على
ذلك بل تفاقم حتى إن أجسادهن تُعرض بطرق دنيئة ، وحركات مهيجة ، وأشكال
ممقوتة ، تأباها الفطرة السليمة،ويرفضها العقل المتزن ، وينفر منها الضمير
اليقظ.