ابدأ بأخطائك أولاً قبل الانتقاد
خليل الموسوي
من الأمور التي يطالب الاسلام، الانسان بها، أن يبدأ بطرح أخطائه حينما يخطئ في تعامله مع الآخرين، أو حينما يريد انتقاد طرف ما لارتكابه خطأ ما. إذ أن الاعتراف بالخطأ أسلوب تربوي حسن للنفس، بالإضافة إلى أنه يريح المتكلم، والطرف الآخر، ويؤدي به إلى تقبل النقد.
أن هناك قسماً من الناس يسيطر عليهم حب الذات، وحينما يخطئون يبعدون أنفسهم عن ذكر أخطائهم، وربما تأخذهم العزة بأخطائهم، فيتصلبون لها، ولا يبدون أي تناول، أو اعتراف بها.
يقول أحد الكتاب:
تركت ابنة عمي (ج.ك) بيتها وقدمت لتعمل سكرتيرة لي. وكانت إذ ذاك في التاسعة عشرة من عمرها، وقد أتمت دراستها قبل ذاك بثلاثة أعوام، وكانت تجاربها في الحياة تزيد بقليل على العدم! ولكنها اليوم إحدى السكرتيرات البارعات المحنكات!
وفي ذات يوم أوشكت أن أنتقد مسلكاً لها، ولكني سكت فجأة، وقلت لنفسي: لحظة واحدة يا فلان! لحظة واحدة! إن سنك ضعف سن (ج.ك)، ولك من تجاربك في الحياة أضعاف أضعاف ما لها، كيف تتوقع أن يكون لها مثل وجهة نظرك، وحكمك، ومقدرتك، مهما كانت هذه متواضعة؟. ولحظة يا فلان! ماذا كنت تعمل، وأنت في التاسعة عشرة من عمرك؟ أتذكر الأخطاء الفاضحة، والحماقات المتكررة التي كنت تأتيها؟ أتذكر الوقت الذي فعلت فيه كذا وكذا، وكيت، وكيت!.
فلما قلبت الأمر على أوجهه في نزاهة وتجرد، انتهيت إلى أن (ج.)، وهي في التاسعة عشرة من عمرها، أفضل بكثير مما كنت وأنا في مثل سنها! ولم يكن هذا ـ للأسف! ـ من قبل إدخال السرور على قلب (ج.)!!
وبعد تلك المرة صرت كلما أردت أن ألفت نظر (ج.) إلى خطأ أتته أبدأ بقولي: لقد أتيت يا (ج.) خطأ، ولكن الله يعلم أنه ليس شراً من كثير مما أتيت أنا! فأنت لم تولدي ولك صدق الحكم على الأشياء، بل يأتي هذا عن طريق التجربة وحدها، وأنت أفضل مما كنت أنا في مثل سنك. إنني أحمل شيئاً كبيراً من الأخطاء السخيفة، حتى أنه لا تحدوني أقل الرغبة في أن أنتقدك أنت، وسواك، ولكن... ألا ترين أنه يكون من الأصوب لو فعلت كذا وكذا؟
وتعاملنا مع الآخرين يجب أن لا يكون على أساس أننا وهم أجزاء من آلة لا يقع فيها الخطأ، بل حتى الآلة فإن أجزاءها تخطئ في بعض الأحيان. بل يجب أن نضع في اعتبارنا أن الطبيعة البشرية تصيب، وتخطئ، وهي ليست معصومة من الخطأ.
كذلك من الأمور الهامة في التعامل مع الأخطاء أن لا نكبرها، وأن نعطيها حجمها الطبيعي، وأن لا نتغافل عنها، وأن لا نتعود على أخطاء النفس، وممارسة أخطاء الآخرين. وأن نتعامل مع الأخطاء باعتبارها أمور محتملة الوقوع، وقابلة للعلاج في نفس الوقت.
فإذا كنت أنت المخطئ بحق الآخرين، سواء كان في الآراء والأفكار، أو في مجالات التعامل الأخرى، ففي هذه الحالة لا بد أن تكون صريحاً مع نفسك، ومع الآخرين، وأن نبصر عيوبنا قبل أن نبصر عيوب الآخرين، وأن نعترف بأخطائنا أمام أنفسنا دائماً.
يقال أن سقراط كان جالساً ـ ذات يوم ـ مع أحد تلاميذه على حافة بركة فيها ماء راكد، فقال سقراط لتلميذه: ما هذه البركة؟
قال التلميذ: إنه الماء.
إلا أن سقراط بدأ يستدل له أن ذلك ليس ماء، وأورد عشرات الأدلة على ما ذهب إليه. واستسلم التلميذ لأستاذه رغم قناعته بعكس ما قال. غير أن سقراط مد يده إلى البركة، واغترف كفاً من الماء، ثم رماه في البركة، وقال لتلميذه: هذه الحقيقة أكبر دليل لك على أنه ماء، وأن ما ذهبت إليه ليس صحيحاً.
وإذا أخطأ الآخرون، بحقك فالمطلوب أن تبدأ بأخطائك أولاً قبل أن تنتقدهم.
وفي نقدك لهم يجب أن تكون أخلاقياً، بحيث يشجعهم النقد على الاعتراف بأخطائهم والإقلاع عنها، وليس المطلوب أن تهينهم وتجرح مشاعره، وتجعلهم يتعنتون لأخطائهم.
بل أن الاسلام الحنيف فيما يرتبط بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والذي من ضمنه توجيه الآخرين إلى الإقلاع عن أخطائهم، وضع مسألة احتمال التأثير، فإذا كان هذا الاحتمال ضئيلاً، لا يجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
إذن:
في تعاملك مع الأخطاء، ابدأ بأخطائك قبل أن تبين أخطاء الآخرين، وإذا ما كانا هم المخطئين، فاجعل نقدك مشجعاً لهم على تلافي أخطائهم.
--------------------------
المصدر: كيف تتعامل مع الناس؟
%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%%
كيف ننمي الحس القيادي؟
إذا نظرنا إلى القيادة كسمة من سمات الشخصية فإن معظم سمات الشخصية تكتسب، وإذا نظرنا إليها كدور اجتماعي فإنه يتحدد في إطار معايير اجتماعية مكتسبة أيضاً. وهذا يجعلنا نرى بطعن القول القديم ((إن القادة يولدون ولا يصنعون)) ومن ثم فليس هناك حاجة إلى التدريب على القيادة. إن النظرة الحديثة إلى القيادة هي أنها يمكن تعلمها وتعليمها وإن ((القائد يصنع أكثر مما يولد)) ومن ثم يجب الاهتمام بتدريب القادة الجدد.
وقد لاحظ بافيلاس (1942) سلوك ستة مشرفين على ملاعب للأطفال ووجد أنهم جميعاً يقعون في أخطاء قيادته مثل اللجوء إلى أساليب أوتوقراطية مثل اتخاذ القرارات بأنفسهم وإصدار الأوامر وعدم إعطاء الأطفال فرصة تدريب على تحمل المسؤوليات . ثم أعطى ثلاثة من المشرفين فرصة تدريب على تحمل المسؤوليات . ثم أعطى ثلاثة من المشرفين تدريباً على القيادة لمدة ثلاثة أسابيع ثم قارن بين سلوكهم وبين سلوك الثلاثة الآخرين الذين لم يعطوا هذا التدريب. فوجد أن الثلاثة الذين أعطوا التدريب على القيادة قد ازداد استخدامهم للأساليب الديموقراط ية في قيادة الجماعة وإدارة الملاعب وارتفع مستوى الروح المعنوية للأطفال وازداد حماسهم للنشاط واشتراكهم فيه.
ومن طرق التدريب على القيادة تلك التي ابتدعها ((مورينو)) المعروفة باسم طريقة ((القيام بالدور)) حيث يقوم الفرد بدور القائد في مواقف متنوعة أشبه ما تكون بمواقف الحياة اليومية. ويرى البعض أن التدريب يمر بمراحل متتالية. فهو يبدأ بالتعرف على النواحي السلوكية المطلوب تعلمها، يأتي دور ممارسة ا لسلوك ثم نقل ما تم تعلمه في فترة التدريب على العمل الحقيقي في القيادة.
ومن العوامل التي تساعد في التدريب على القيادة ما يلي:
ـ التدريب العملي على القيادة في جماعات حيث يتم مناقشة أهداف الجماعة ومعرفة اتجاهاتها وإدراك أسس العمل الجماعي فللجماعة أثر كبير في تحديد وتعديل سلوك الفرد وأحكامه واتجاهاته ومعاييره.
وهذا يتيح أيضاً اكتساب الخبرة في كل من القيادة والتبعية.
ـ بناء جماعة التدريب بحيث تقبل التغير وتكون مستعدة للنمو.
ـ تبادل الاتصال وتبادل الآراء وتدارس المشكلات والحلو بين المدربين والمتدربين في حرية ووضوح، وتقارب الإطار المرجعي عند كل من الطرفين.
ـ التدريب والتعلم القائم على الخبرة والممارسة في وجود ديموقراطي وملاحظة المدرب في قيادته للجماعة وملاحظة باقي أعضاء الجماعة.
ـ التدريب على وضوح التفكير واتخاذ القرارات وسرعة البت في الأمور وخاصة الطارئة والمفاجئة.
ـ التدريب على النقد البناء والنقد الذاتي وتقبل النقد بما يضمن القدرة على تعديل السلوك إلى أفضل.
ـ إعطاء المسؤولية لكل شخص راغب فيها وقادر عليها ومستعد لتحملها.
ـ الاندماج الحقيقي الكامل في برامج التدريب بما يضمن تغير سلوك المتدرب بعد انتهاء فترة التدريب.
ـ المشاركة الايجابية العملية من جانب المتدربين والتحمس لعملية التدريب.
ـ توافر المدرب الكفؤ الدارس الذي يزود المدربين بالعلم والخبرة والذي يكون قدوة حسنة.
ـ دراسة علم النفس وخاصة علم النفس الاجتماعي للإحاطة بالسلوك الاجتماعي ودوافعه وللتفاعل الاجتماعي. .. إلخ.
ـ المرونة في برامج التدريب بحيث يمكن الأخذ بمنهج أو بآخر، بطريقة أو بأخرى حسب طبيعة الموقف ومتطلباته.
-------------------------------------
المصدر: السلوكية والإدارة / المؤلف: د. شفيق رضوان
***********************
النجاح في تحقيق الأمور
عرض :بهيج شعبان
1 ـ الأساس:
حين نتكلم عن التطبيق العملي فإننا نستحضر في أذهاننا صور أناس قد انغمسوا في أعمالهم وانصرفوا إليها، وهذا الانغماس ضروري ولكنه غير كاف لأن التطبيق العملي لا يكون ذا فائدة إلا بشرط أن يضم الفعالية الكاملة للروح وتركيز كل المصادر النفسية على الفهم والتنفيذ. وحين تكون كل خصائصك مستيقظة هادفة إلى الحصول على نتيجة ما فأنت في حالة تطبيق عملي. ويكفيك للاحتفاظ بهذه الحالة أن تسعى دون كلل للانصراف إليها رغم الميول التي تشد بك نحو الأوتوماتي كية الآلية، والأعمال الأكثر بساطة يمكن أن توفر هذه الفرصة، وستجد كل الخير في العمل بطريقة مفكرة واعية. وقد قال برنتيس مولفورد: ((عندما كنت أحفر لأول مرة في حياتي منجماً من الذهب في كاليفورنيا قال لي عامل قديم من عمال المعادن: أيها الشاب، أنت تجهد نفسك بشكل سيئ، وعليك أن تضع كثيراً من ذكائك في معولك.
وحين فكرت بهذه الكلمة رأيت أن عملي يحتاج إلى التعاون بين الذكاء والعضلات. يحتاج الذكاء لقيادة العضلات، ويحتاجه لوضع الرفش في المكان الذي يستطيع فيه أن يرفع كثيراً من التراب بقليل من القوة، ويحتاجه لقذف التراب إلى خارج الحفرة. وقد رأيت أنني كلما استكثرت من وضع التفكير في المعول فإنني أحفر بصورة أفضل ويصبح العمل لعباً بالنسبة إلي وأستطيع الاستمرار به. ورأيت أيضاً أنه كلما تحول تفكيري عن عملي يصبح صعباً علي)).
ترينا هذه الملاحظة أن العمل الخالي من التفكير لا يقود إلى نتيجة. وأكثر المشاكل التي تفرضها الحياة علينا تتوقف بشكل حاسم على الحيوية التي نضعها في بحثنا عن الحلول. وهنا تظهر بوضوح فائدة التصميم على التقدم، هذا التصميم الذي يجعلنا نسير بطريقة مفكرة، محاولين في الوقت نفسه اكتساب الإتقان والسرعة والمهارة. وتطبيق ذلك لا يحول الإخفاق إلى نجاح فقط ولكنه يحارب الرتابة في الأعمال المضجرة.
ومعظم الذين فرضت عليهم الظروف عمالاً لا يميلون إليها يعتقدون أنه يجب عليهن أن يشعروا بالميل نحوها أولاً ليكتسبوا مهارة فيها، والممارسة تنتج المهارة وهذه بدورها تنتج الميل، وهكذا يحب المرء أعمالاً اضطرته الظروف إلى القيام بها دون رغبة، فيدأب على تنفيذها بجد. وليس هذا بالنتيجة القليلة لأن من الممكن أن تصبح نقطة الانطلاق.
2 ـ وحدة النجاح:
إذا كان صحيحاً ن النجاح العام يتألف من عدة نجاحات ثانوية فإن كل مهمة تنتهي إلى خير نستطيع أن ندعوها وحدة النجاح. إن كل مسابقة تعالج بنجاح في الامتحانات يكون لها أثرها في النتيجة النهائية. وفي حصيلة الحساب التجاري الشهري يكون لكل صفقة منفردة رقمها الخاص في المجموع العام. وهكذا فإن كل صفة تهذب وتقوى، وكل واجب يومي يتمم بإتقان، يؤثران على مجموع الصفات والخصائص التي تساعد على النجاح.
لنفرض أن هناك شاباً يرغب في توسيع أفقه ولكنه لم يقرر المصير النهائي الذي يلائمه، فإنه يهدف في أول الأمر إلى الحصول على وضعية مرتفعة قليلاً عن وضعيته الحالية، وإذا كان هناك امتحان عليه أن يجتازه فإن مجموع العلامات التي يجب أن يكسبها لن يوقفه عند حدن فهو يعلم أنه يستطيع زيادة معلوماته كل يوم، وأنه يستطيع أن يكتسب في فترة محدودة جميع المعارف اللازمة لنجاحه. وإذا كان غير معتاد القراءة فإنه سيجد بعض الصعوبة في بادئ الأمر ولكن العادة تساعده فيتغلب على الصعوبة، ويألف الكتاب، ويشعر بلذة فائقة في الدرس.
والنجاح مرجح كل شخص صمم على أن يصبح خبيراً في عمله، ويكفيه أن يعقد العزم، وينفذ الشروط المطلوبة ويقوم بالخطوات اللازمة.
3 ـ اختيار العمل:
إن كثيراً من الناس يضعون مسألة الدخل وحدها نصب أعينهم ولا يهتمون من بين ميع الأعمال المعروضة عليهم، بسوى العمل الذي يؤمن لهم أكبر قدر من الربح المادي، إنهم لا يرون النجاح إلا في اكتساب الثروة. وهناك آخرون لا يشعرون بسرور إذا لم يمارسوا عملاً يميلون إليه وتأتي قضية المال في الدرجة الثانية بالنسبة إليهم. ونحن لا نشك لحظة في ضرورة اتباع الشخص للعمل الذي يميل إليه، ولما كانت أمزجة الناس وميولهم تختلف لاعتبارات كثيرة فإننا نرى من اللازم تصنيفهم إلى نماذج نجملها بما يلي:
النموذج الأول: لا يتطلب في حياته سوى ما يتيح له العيش بسلام، وهدفه في الحياة أن يقوم بعمل سهل التنفيذ فلا يتطلب جهداً جسدياً أو عقلياً. وهذا النوع من الناس يلائمه منصب إداري ذو راتب معين، فإذا حصل عليه بلغ النجاح.
النموذج الثاني: إن كلمة النجاح لا تتضمن عند هذا النموذج من الناس فكرة التفوق المادي فقط بل تتضمن أيضاً تلبية حاجة بناءة للحساسية الفكرية: أي اكتساب معرفة خارقة بعمل ما يتطلب حيوية وذوقاً جمالياً. ومكان هذا الصنف من الناس بين المهندسين والمزخرفين أو بين الكتاب والرسامين.
إن كل همه أن يرفع مستواه وأن يتطلع إلى فوق رغم ما في ذلك من أخطار، وهو يبعثر طاقاته في أكثر الأحيان محاولاً الصعود إلى قمم عسيرة على مواهبه.
النموذج الثالث: يضم جميع أولئك الذين تحملهم فعاليتهم المحققة على اختراع أو تنظيم الأجهزة في جميع الميادين التي يميلون إلى العمل فيها. إنهم يجدون حلولاً للمشاكل العملية أفضل من غيرهم. ويخرج منهم المهندس الحاذق، والبائع، وخالق الأعمال، والممثل النابغ، والدبلوماس ي الداهية. ولكن هذا النموذج يبعثر انتباهه ويقسمه على كثير من القضايا، ولكي ينجح عليه أن يركز انتباهه على شيء معين.
النموذج الرابع: إنه الأكثر كفاحاً لأنه يتحرك آلياً ضد كل معاكسة، وكل همّه أن يفرض نفسه، ويحارب، ويسعى إلى السيطرة. وهو يكافح بحرارة في سبيل مصالحه إذا كانت أنانيته تحتفظ بشكلها البدائي المادي، ولكنه ينسى نفسه في بعض الأحيان ليحارب في سبيل قضية شخصية.
أما إذا كان قليل الثقافة فإن عنايته تنصب على المواد الخام ليكيفها وفقاً لذوقه ويفرض عليها الشكل الذي يستهويه، ويكون عندئذ حداداً أو سباكاً أو مقصب أحجار. وإذا كان مستواه العقلي مرتفعاً فإنه يهاجم أشكال الشر على أنواعها فيكون شرطياً أو جراحاً أو مصلحاً. وهذا الصنف من الناس يكون عديم الشفقة، يضحي بكل من يقف في طريقه. ومن المؤسف أن الانسانية لم تتخلص بعد من هذا الصنف من الرجال، فهناك الدكتاتوري ون والغزاة الذين يستثمرون ويقتلون الآلاف في سبيل أطماعهم.
إن اعتياد الهدوء وضبط النفس، والتربية الفلسفية، وعادة الحذر والاحتراس يمكن أن تقرر التوازن عند هذا الصنف من الناس.
النموذج الخامس: يهدف إلى الاستقلال والتخلص من كل سيطرة، فهو يخضع للقوانين والمبادئ ذات الصبغة الانسانية الشرعية، ولكنه لا يطيق سلطة الغير التي تضايقه، ولهذا يفضل أن يتعب ليطير بجناحيه بدلاً من أن يطير بجناحي غيره، ولا يعيش على أجرة يأخذها من الناس، ومن ناحية ثانية فإنه لا يحب أن يقوم بقيادة الغير، فمكانه إذن بين رجال الأعمال كوسيط أو سمسار. الخ. وطبيعة هذا النموذج يمكن أن تتقوى تدريجاً إذا عرف أثناء تلمذته أن يستفيد ويختبر ويحتمل.
وقد عرضنا هذه النماذج على أنظار القارئ لتتفتح مخيلته وليجد فيها عوناً على وعي الميول التي توجهه.
4 ـ الاستعلام:
إذا تجهز المرء بجميع المعلومات التي يحتاجها في عمله يصبح بإمكانه حذف معظم العناصر التي تعيق نجاحه. وعليه لأجل ذلك أن يبذل عناية خاصة لمرحلة الاستعلام التي تسبق التنفيذ. وهكذا نرى أن اختيار مهنة أو عمل يحتاج إلى دراسة مسبقة. وهذه الدراسة تستهدف شيئين هامين:
1 ـ هل أن العمل الذي نريد القيام به يتيح لنا الحصول على النتيجة النهائية للهدف الذي نسعى إليه؟.. إن المصدر الأكثر صحة للمعلومات المفيدة هو الرجل الذي سار قبلنا على الطريق. اذهب إلى الذين يقومون بالمهنة التي وقع اختيارك عليها وانظر إليهم كيف يعملون، وحاول أن توطد علاقات شخصية مع عدة منهم، وأن تجعلهم يتكلمون عن عملهم، واصغ إلى ما يقوله أهل الخبرة. وليس سوى ذلك يمكنك من الحصول على وثائق مفصلة حقيقية.
ب ـ لكي تدرس قيمة كل نوع من العمل عليك أن تمارسه عملياً، أي أن تدخل فيه كعامل أو معاون. ومن الخطر أن تفتتح عملاً، فندقاً أو مكتبة مثلاً، دون أن تكون مطلعاً على دقائق المهنة، وقد قيل: إن الحظ يبتسم للجسورين. ونرى نحن أن هذه فكرة خاطئة يكثر ضحاياها. والحقيقة أن الحظ يبتسم طويلاً للجسورين الباردين المتزنين.
5 ـ العزم:
إن العمل والوقت يتيحان ملء الفراغ، واكتساب الوسائل، واجتياز المراحل، أما ما يجب أن تعقد عليه العزم فهو (السير على الطريق). وقد رأينا أن النجاح في أي شيء يحتاج إلى مستوى من المعلومات أكثر ارتفاعاً، ومعرفة فنية أكثر اتساعاً.
عليك أن تصمم على استعمال وقتك في العمليات اللازمة لتحصل على المعارف التي تساعدك في عملك. ومدة قليلة من الاجتهاد والعزم تجعل الرجل العادي خبيراً بالعمل الذي يريده.
6 ـ العمل:
عندما يحاول المرء تنفيذ مخططه وفقاً لأسلوب صالح يحفظ له وقته فإن العوائق والقيود تطل برأسها. وما إن يتغلب على العوائق الداخلية حتى تعترضه العوائق الخارجية.
إن الإيحاء الذاتي يمكن أن يقدم هنا خدمات حقيقية بشرط ألا تنتظر منه إلا ما يمكن أن يعطيه، والمطلوب من الإيحاء الذاتي أن يخلق ويكون الصور الصالحة لزيادة الثبات في تنفيذ أي عمل تريد القيام به. ولكن ما هي الصور التي يجب أن تخلقها؟.. عليك أن تخلق أولاً صوراً النتيجة المرجوة وذلك لتحرض طموحك. ثم صورة السرور الملازم لفرض أي عمل على نفسك لأنك إذا لم تشعر بسرور العمل فلا يمكن أن تنجح. وبعد ذلك صورة العاطفة المؤلمة أو الحسرة التي تشعر بها لحرمانك من بعض ملذاتك في سبيل الانصراف إلى ما أنت بسبيله. والإيحاء الذاتي لا يتم إلا بشرط أن تنقل تفكيرك إلى الصور الملائمة، وأن تعيشها بحرارة وتلازمها إذا استطعت. وفكرة المنفعة التي سيحصل عليها المرء عندما يقوم إلى عمله في الساعة المقررة، وينصرف إليها بكل كيانه طوال يومه بحيث لا يشعر بشيء مما حوله هي أعظم الإيحاءات الذاتية وأجدادها.
7 ـ الإصرار:
ينتج النجاح في جميع الأعمال من معرفتك كيف (تصر) على عملك وتستمر به. وبهذا تكسب الاختبار، وتربح الزبائن، وتغنم الفرصة. وما من رجل يصر على عمل إلا وينتهي إليه.
والإصرار، كجميع مظاهر الإرادة، نجد أصوله في الروح التي تعتاد ممارسته. والفرص التي تسهل ذلك كثيرة. فهناك مثلاً نص استعصى عليك فهمه، فبدلاً من الانصارف عنه إلى غيره تستطيع أن تكرس له ساعة من وقت فراغك، وسترى أن مغاليقه تنفتح أمامك. حلل النص كلمة كلمة، واختصر الشرح بشكل واضح، وعد إلى دراسته وتفهمه كلما سنحت الفرصة، وسترى أن إصرارك على فهمه يمزق الصعوبات ويبددها، ولا تنس أن قطرة الماء المتتابعة تحفر أخدوداً في الصخر الأصم.
----------------------
المصدر: طريق النجاح