من غرائب تبعات "واقعة أم درمان" -وهو الاسم الحربي لمباراة كرة قدم بين منتخبي مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم على غرار "عاصفة الصحراء" لمن لم يعاصرها، كمن خرجوا مؤخرا من غيبوبة سكر أو كبد وهم في مصر على الأقل كثيرون- هو هذا الهجوم الذي يشنه البعض على الفنان أحمد مكي؛ لأنه تجرأ وأعلن غضبه على ما بدر من المشجعين الجزائريين في السودان وأن مشاعره تنحاز للمصريين؛ لأنه عاش وتربى هنا وأمه مصرية بغضّ النظر عن الأوراق والمستندات التي كانت تصفه بالجزائري حتى حصل على الجنسية المصرية بقانون أنصف مصريين كثر كنا نضعهم في خانة "الأجانب".
من هؤلاء البعض الأستاذة دعاء سلطان محررة صفحة الفن في جريدة الدستور فقد كتبت عدد 2 ديسمبر مقالا تستغرب فيه بشدة موقف أحمد مكي وتلومه للصق صفة الغدر بأفعال الجزائريين الذين هم قوم أبيه، وتذكّره بأن اللي مالوش خير في أهله مالوش خير في حد، إلى جانب طعنه بالادّعاء، وأن موقفه قد جاء لأن سوقه ماشي في مصر والجزائر مش هتأكّله عيش، هممم منطق عجيب وجرأة أعجب أن يعتبر أحمد مكي نفسه مصريا وأن تصر الأستاذة على اعتباره جزائريا، وتحدد له أهله وأفراد عائلته وتطعن في صدق مشاعره وتتجاهل قانون بلادها، والذي لم يوصف أبدا بالمتساهل وقد منح مكي جنسية قانونية هي بالأساس إحساس ولاء مكانه القلب، كيف تواتينا القوة للتفتيش في نوايا الناس والنهش فيهم؛ لأننا ببساطة نشعر أننا أصح وأكبر وبنفهم أحسن منهم؟
كنت أحب أن أقرأ لها حديثا مع أحمد مكي أفهم منه منطقه وتحاوره بآرائها المتشككة، لا أقرأ هجوما عليه من باب القرف منه أو شفقة عليه كما كتب الناقد السينمائي طارق الشناوي في عدد 3 ديسمبر (جريدة الدستور برضه) عن الولد اللي يا حرام اتخلى عن بلده علشان الفلوس، ويتكلم عنه بصفته معذورا إنه اضطر يركب الموجة ليراعي مصالحه (لاحظ أسلوب البحث والتفتيش في النوايا والاتهام الواضح بالادّعاء).
أحمد مكي حر تماما في أن يشعر أن مصر بلده حتى ولو كان والده جزائريا، وحر أن يشعر بالغضب مثل ملايين المصريين الذين شعروا بالغضب دون أن نطعن في وطنيته أو في مصداقيته، والمثل القديم يقول: "من حبنا حبيناه وصارمتاعنامتاعه ومن كرهنا كرهناه ويحرم علينا اجتماعه" فلماذا نبيع من يشتروننا حتى لو رأينا أن الحكمة تنقصهم، ولماذا يصر مثقفونا على وصف البسطاء بالغوغاء كل يوم في الصحف وكأنهم نِفسهم في شعب تانى أظرف شوية ويقلبون حب الوطن الجميل لـ"شوفينية"- والشوفينية هي المغالاة في التعصب، وفي حالة التعصب القومي وحب الوطن يعتبر الشوفيني وطنه أفضل الأوطان وأمته فوق كل الأمم، وخصوصاً عندما تكون هذه المغالاة مصحوبة بكره للأمم أخرى.
ومن يعرف صبر مصر على ميل الحال يعرف أن الكراهية والغل المبني منذ سنين لا يحتلان مكانا في قلوبها التي يوجعها بياضها ويسحقها، لا يصح أن يهاجم مثقفونا من يسيئون للدول الشقيقة ويتجاهلون من يسيئون إلينا، بل ويشتركون في نعت المصريين بأسوأ ما في جنس الإنسان من نعوت وحين قال المتعصبون: كلهم همج، ردوا بعصبية أكبر: بل كلكم متخلفون.
الغرض من هذا الكلام هو الدعوة لعدم تشويه أطفالنا بغرض تأديبهم والتوقف عن ذبح أبنائنا بغرض التضحية، لا أنادي بمقاطعة الجزائر كما يفعل البعض؛ لأنها ليست عدوّنا ولكني أقول "أحمد مكي ليس بخائن حتى لو لم يعجبنا رأيه"، والأولى بنا أن نهاجم مفسدينا ولصوصنا بتلك الشراسة التي نهاجم بها محبينا، بالمناسبة هناك شيء وحيد ذكرته دعاء سلطان في مقالها واتفقت معها فيه تماما وهو أننا لن نتوقف أبدا عن عشق صوت وردة الجزائرية.
"من حبنا حبينا و صار متاعنا متاعه ومن كرهنا كرهناه يحرم علينا اجتماعة"
و انا قلت كدة برضو فـ نص الموضوع